إطلالة على مهرجان الجونة السينمائي الرابع : من إعلان النوايا الى التحرك على أرض الواقع . بقلم مجدي الطيب
مثلما أدهش الجميع بحماسة القيَمين عليه لتدشين مهرجان جديد باسم «الجونة السينمائي»، الذي ساد إجماع، عقب دورته الأولى، بأنه ولد عملاقاً، وجاء ليسد الفراغ الكبير الذي تركه الغياب المُفاجيء لمهرجان دبي السينمائي، عادت إدارة «الجونة السينمائي»، لتُثير الإعجاب بإصرارها على إقامة أول مهرجان فني مصري، بعد ثلاثة أيام، في الوقت الذي انتابت المخاوف الكثير من إدارات بعض المهرجانات الأخرى، وارتأت التأجيل، خشية الإصابة بوباء “كورونا”، الذي اجتاح العالم، وزلزل أركانه !
ففي مفاجأة، بكل المقاييس، جرى الإعلان عن إقامة الدورة الرابعة للمهرجان، في الفترة من 23 إلى 31 أكتوبر 2020، ولم يقف الأمر عند «إعلان النوايا»، بل تعداه إلى التحرك على أرض الواقع، بشكل عملي؛ عبر إقامة مؤتمر صحفي كبير، شهد استعراض تفاصيل برنامج الدورة الرابعة، الذي بدا أكثر زخمًا من برامج الدورات الماضية، بما يعني مشاركة أكبر، وتفاعلاً أوسع، مع النظر بعين الاعتبار إلى ما نعيشه من ظروف اضطرارية؛ بسبب جائحة «كورونا»، ومراعاة الإجراءات الإحترازية، والصحية، ومتطلبات الأمان الشخصي، والشروط، التي تضمن سلامة ضيوف المهرجان، والمشاركين فيه، في إنجاز بكل المقاييس، لا يعكس نجاح مؤسسة المهرجان، وما وصل إليه مهرجان الجونة دورة بعد الأخرى فحسب، بل باعتباره نموذجًا للفعاليات الفنية والثقافية، في هذا الجزء من العالم، التي ستضع في حسبانها المبادرة التي قادها مهرجان الجونة، الذي اختار شعاراً للدورة، له مغزاه، مؤداه «الإنسان والحلم»، ويعكس قدرته على الإبحار وسط العواصف، وإمكانية تحقيق الأحلام بالإصرار والتحدي، مهما كانت الصعوبات والمخاطر .
الزخم المُنتظر
في ظل الأنواء، والرياح العاتية، نجح المهرجان في استقطاب الكثير من العروض العالمية، الأحدث، التي تعكس ما وصلت إليه المدارس السينمائية، والتيارات الفنية، وتُرضي طموح كل عاشق للسينما، وأيضاً الفعاليات، والتظاهرات الثقافية، التي تخلق تواصلاً أكبر بين الثقافات المختلفة من جهة، وبين أبناء صناعة السينما العربية ونظرائهم في العالم من جهة أخرى، سعياً وراء تعزيز روح التعاون والتبادل الثقافي بينهم جميعاً، فضلاً عن اكتشاف الأصوات السينمائية الجديدة، والواعدة، ودعمها مالياً ومعنوياً، من خلال فعالية منصة الجونة السينمائية، التي تمنح جوائز قدرها 250 ألف دولار أمريكي، للمشاريع الفائزة في مرحلة التطوير والأفلام الفائزة في مرحلة ما بعد الإنتاج؛ عبر ذراعيها : منطلق الجونة السينمائي وجسر الجونة السينمائي، المُخصصان لدعم صناعة السينما العربية، وتَمكيِن صناع الأفلام العرب، ومساعدتهم على إيجاد الدعم المالي، والفني من خبراء الصناعة العرب والدوليين، جنباً إلى جنب مع إتاحة الفرصة للتعلم والمشاركة، عبر ورش صناعة الأفلام، حلقات النقاش، طاولات الحوار المستديرة، محاضرات لخبراء صناعة السينما، بالإضافة إلى الجوائز التشجيع المالية والعينية.
ومن المعروف أن برنامج المهرجان يتكون من ثلاث مسابقات رسمية (مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة ومسابقة الأفلام القصيرة)، بالإضافة إلى البرنامج الرسمي خارج المسابقة والبرنامج الخاص، بما يعني أن الجمهور الشغوف بالسينما سيكون على موعد مع مايقرب من 65 فيلمًا، من أهم وأحدث الإنتاجات العربية والدولية، وجوائز تصل قيمتها إلى نحو 224 ألف دولار أمريكي،بالإضافة إلى الجوائز العينية (نجمة الجونة، والشهادات)، وجائزة «سينما من أجل الإنسانية»، التي يمنحها الجمهور للأفلام الطويلة ذات الطابع الإنساني.
الإفتتاح .. وأفلام المسابقات
يُقام حفل افتتاح الدورة الرابعة للمهرجان لأول مرة في مركز الجونة للمؤتمرات والثقافة، الذي بدأ العمل فيه عام 2019، ليُصبح بمثابة «قصر المهرجانات»؛ حيث يستقبل فيلم الإفتتاح «الرجل الذي باع ظهره» )تونس، فرنسا، بلجيكا، السويد، ألمانيا، المملكة العربية السعودية)، إخراج كوثر بن هنية، كما يستضيف فعاليات السجادة الحمراء، التي كانت تُقام من قبل في مسرح المارينا، والحدث السنوي «السينما في حفلة موسيقية»، الذي يقدم هذا العام تحية خاصة إلى شارلي شابلن، عبر عرض فيلمه الشهير «الطفل»، بمصاحبة أوركسترا حية بقيادة الموسيقار الشهير أحمد الصعيدي، الذي يعزف موسيقى الفيلم أثناء العرض. هذا بالإضافة إلى عروض الأفلام المُشاركة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة؛ مثل : «200 متر» (فلسطين، الأردن، إيطاليا، السويد)، إخراج أمين نايفة، «احتضار» (آذربيجان، المكسيك، الولايات المتحدة الأمريكية)، إخراج هلال بيداروف، «استمع» (المملكة المتحدة، البرتغال)، إخراج آنا روشا دي سوسا، «إلى أين تذهبين يا عايدة؟» (البوسنة والهرسك، النمسا، رومانيا، هولندا، ألمانيا، بولندا، فرنسا، النرويج)، إخراج ياسميلا زبانيتش، «تحت نجوم باريس» (فرنسا)، إخراج كلاوس دريكسيل، «حارس الذهب» (أستراليا)، إخراج رودريك ماكاي، «حكايات سيئة» ( إيطاليا، سويسرا)، إخراج داميانو دينوسينزو، فابيو دينوسينزو، «الروابط» (إيطاليا)، إخراج دانيلي لوكيتي، «زوجة جاسوس» (اليابان)، إخراج كيوشي كوروساوا، «صبي الحوت» (روسيا، بولندا، بلجيكا)، إخراج فيليب يورييف، «عالم الغضب» (أوروجواي، إسبانيا)، إخراج رافا روسو، «لن تُثلج مجدداً» (بولندا، ألمانيا)، إخراج مالجورزاتا شوموفسكا، ميخال إنجليرت، «مكان عادي» (إيطاليا، رومانيا، المملكة المتحدة)، إخراج أوبرتو بازوليني، «ميكا» (المغرب، فرنسا، بلجيكا)، إخراج إسماعيل فروخي، «واحة» (صربيا، هولندا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، فرنسا)، إخراج إيفان إيكيتش . أما مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة فتضم عناوين «33 كلمة في الصميم»،«أيام أَكلَة لحوم البشر»، «آكازا، بيتي»، «بانكسي أكثر المطلوبين»، «جزائرهم»، «سوفتي»، «صائدو الكمأ»، «ليل»، «مٌشِع»، «نَفَس». وبينما لوحظ خلو مسابقتي الأفلام الروائية الطويلة والوثائقية من الأفلام المصرية، تتواجد السينما المصرية في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة بفيلمي «ستاشر»، وعنوانه بالإنجليزية «أخاف أن أنسى وجهك»، وهو الفيلم القصير الثاني للمخرج سامح علاء، ويُعد أول فيلم مصري قصير يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان»، منذ 50 عامًا، و«الخد الآخر»، إخراج ساندرو كنعان، بالإضافة إلى أفلام من : فرنسا وإيطاليا وصربيا وسلوفينيا وأوكرانيا وروسيا واليونان وسويسرا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا، إضافة إلى النرويج ومقدونيا وتونس ولبنان والأردن .
أفلام الجوائز .. والأيقونات السينمائية
بالطبع يعلم الجميع أن المهرجان ليس أفلام المسابقات فحسب، وإنما أفلام أخرى أخذت طريقها إلى برنامج الاختيار الرسمي (خارج المسابقة)، والبرنامج الخاص، لأسباب تتعلق بلوائح المسابقات الثلاثة، أو لظروف تتعلق بالشركات المنتجة لهذه الأفلام، لكنها على درجة كبيرة من الأهمية؛ إما لحصولها على جوائز رفيعة الشأن، أو المكانة التي يحتلها مخرجوها في الفن السابع، والصناعة، بحيث تستحوذ على الاهتمام، وهو ما يُنتظر أن نجده في أفلام (الاختيار الرسمي خارج المسابقة : «اِمْح التاريخ»، «إبراهيم»، «أب»، «أمهات حقيقيات» (عٌرض ضمن قسم «عروض خاصة» في الدورة الـ45 لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي، كما اختير ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كانّ السينمائي)، «بداية» (أُدرج ضمن الاختيارات الرسمية للدورة الـ73 لمهرجان كانّ السينمائي، وحصل على جائزة الصدفة الذهبية في الدورة الـ68 لمهرجان سان سباستيان السينمائي الدولي)، «برلين إلكسندر بلاتز»، «تيار سائد» (عُرض لأول مرة عالميًا في الدورة الـ77 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي)،
«جوزيب» ( أختير ضمن الاختيارات الرسمية للدورة الـ73 لمهرجان كان السينمائي)، «دورة ثانية»، «زهر الربيع»، «سباعية : قصة هونج كونج»، «سقوط»، «الضربة الكبيرة»، «غابة مأساوية» (حصل على جائزة أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية في الدورة الـ77 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي)، «لا أبكي أبداً»، «ماتادوري المذعور»، «وغدًا العالم بأكمله» (عُرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الـ77) . وفي إطار البرنامج الخاص، يُتيح المهرجان الفرصة لجمهوره لمشاهدة عدد من الأفلام الكلاسيكية، التي صارت أيقونة في تاريخ السينما؛ مثل الفيلم الوثائقي «هوبر / ويلز»، للمخرج العملاق أورسون ويلز (1915–1985)، الذي وثق الحوار، الذي جمع عام 1970، بين اثنين من عظماء السينما: دينيس هوبر وأورسون ويلز، على خلفية عشاء طويل صاخب، وعلى هامش تصوير فيلم «الجانب الآخر من الريح»، لأاورسون ويلز، ومونتاج دينيس هوبر فيلم «الفيلم الأخير» (قٌدم الفيلم لأول مرة في الدورة الـ77 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي). والفيلم الصامت «الصبي»، إخراج شارلي شابلن ( أمريكا / 1921) .
التكريم بين الاستحسان والغضب
في المقابل، وعلى الرغم من الاستحسان الكبير، الذي قوبل به الإعلان عن تكريم الممثل خالد الصاوي، ومهندس المناظر والديكور أنسي أبو سيف، بمنحهما جائزة الإنجاز الإبداعي، التي تُخصص للسينمائيين الملتزمين، ممن تركت أعمالهم بصمة لا تُنسى، وعلامة لا تُمحى، بالإضافة إلى مسيرتهم الإبداعية الحافلة بالعطاء والالتزام والتميز، كما يُنظيم المهرجان معرضاً لأعمال مصمم المناظر الكبير أنسي أبو سيف، يشرف عليه كريم مختجيان، ويضم “اسكتشات” وتخطيطات المناظر الخاصة بأفلام : “المومياء”، “اسكندرية كمان وكمان”، “الكيت كات”، “سرقات صيفية”، “عرق البلح”، “أحلام هند وكاميليا” و”يوم مر.. يوم حلو” بالإضافة الى نماذج مصغرة من القطع الفنية التي نفذها في أفلامه ولقطات فيديو لمقاطع من أفلامه وملصقات الأفلام والجوائز التي حصل عليها طوال مسيرته المتميزة. إلا أن هذا الزخم لم يكن كافياً، في ما يبدو لكي تصل الدورة الرابعة للمهرجان إلى بر الأمان، فبمجرد الإعلان عن تكريم النجم الفرنسي الشهير جيرار ديبارديو، ومنحه جائزة الإنجاز الإبداعي، هبت عاصفة من الانتقادات، والبيانات، التي طالبت إدارة المهرجان بالتراجع عن تكريمه، رغم الاعتراف بقوة أدائه، اقتداره، وموهبته؛ بسبب زياراته، ونشاطاته، المؤيدة للكيان الصهيوني، فضلاً عن قيامه بتمثيل ودعم إنتاج فيلم دعائي يدعو يهود العالم إلى «إعادة اكتشاف جذورهم التاريخية في أرض الميعاد» .
مجدي الطيب
مجدي الطيب ناقد سينمائي مصري مقيم في القاهرة.مصر