الرحمة الثقافية وحلمي التوني بقلم إيمان رسلان
كانت اغلفة كتبه هى أول من عرفنى عليه اسما قبل ان تتحول الى علاقة انسانية مع صاحب هذا الابداع الاستاذ حلمى التونى وكان ذلك قبل اكثر من ثلاثين عاما ثم كانت لوحاته بمجلة المصور عندما التحقت بها وكان هو قد عاد للتو الى مصر … بعد رحلة غربة طويلة
……..
كانت مجلة المصور فى الثمانينات فى عهد التطوير الثانى لها بعد الحقبة الاولى زمن أحمد بهاء الدين والتى استمرت لفترة ايضا عقب وفاة عبد الناصر وعندما تولى مكرم محمد احمد فى اوائل الثمانينات وعقب وفاة السادات فأصبحت المجلة البوتقة الصحفية أو المغناطيس التى عاد وجذب لها الجميع للحوار وتبادل الافكار والكتابة سواء من الداخل أو من الغربة فعاد مجمود السعدنى وكتب الصفحة الاخيرة بها وكانت المجلة تقرأ من الاخر لاول كفاتح شهية اولا لوجبة سياسية وثقافية وفكرية دسمة فكانت مقالات السعدني هى فاتح الشهية وعاد للمجلة كذلك عمى بهجت عثمان كما كنا نناديه شبابا بالمجلة دليل الاحترام والحب خاصة انه كان سريع الغضب ؟! ووقتها والتقيت مع الاستاذ حلمى التونى ببسمته التى لا تفارق وجهه وحتى الان واناقته التى أشتهر بها ومازال وهو اصرح به واكتبه واتحاور معه الان من خلال هذه المقالة
….. ………….
أحمل باقة ورد واطرق باب منزله بالدقيقة والثانية فهو يحب المواعيد الملتزمة وانا كذلك وقبل ان أصل الى منطقة الزمالك حيث محرابه وكان قد وصفه لى بدقة شديدة للغاية كأنه يوصف لى احد لوحاته وخطوطها والعلامات البارزة لها…
على الكنبة الحمراء بلون دم الغزال الواضح والقوى جلست ولم اجلس على الكرسى المجاور له .. فضلت ان اتحاور وانا امامه …وانتهزت فرصة انه وافق على مقابلتى ورسم غلاف كتابى بالهلال لكى أرغى واستفسر وأحاوره أخيرا منفردة داخل محاربة؟ فهو أحد من شكل بصيرتى الفنية وأحد أعمدة الفن فى مصر وليس فقط دار الهلال خاصة أنه ابتعد منذ سنوات عن المؤسسة ؟! فكانت زيارة وكلام كثير وقررت ان تكون الزيارة للحوار والنشر وان افاجئه بذلك الطلب بعد ان اذهب ! وكان فى ذهنى اسئلة انسانية عن الصحافة والرسم والثقافة والفكر والشخصيات والحكاوى فليس هناك حوار بين صحفيين الا وكان ثالثهما الاشخاص والتاريخ وما أجملها من حكايات وخبرة السنين التى نتعلم منها ونرصدها ونسجلها وطالما حلمت أسال عنها وعنهم وكان سوءالى الرئيسى من وحى لوحاته التى لم تكن مجرد تصوير للمرأة او بهية كما يحب ان يطلق عليها فأغلب لوحاته أو التيمة الرئيسية بها هى المرأة وهذا اول شىء لفت نظرى قبل ثلاثة عقود وهى ايضا التى بدأ بها الكلام والتى فجأته اننى اطلبه للنشر فى اول دار ومطبوعة انتمى والتحق بها وهى دار الهلال منذ أكثر من ٦ عقود فهو علامة بارزة فى مسيرة المؤسسة والمطبوعة التى انتمى اليها ..ريشته حولت الكلمات اى كانت نوع الكلمات وثقلها الى رسوم وخطوط صورة بديعة مرسومة وهى بالف كلمة كما نقول بلغة الصحافة
…
وأبدأ لماذا بهية ؟! وهل الام كانت السبب فيجيب استاذ حلمى ،نعم انها أمى التى عشقتها وقدستها ومنها أحببت المرأة واحترامها ليس فقط لاننى اتعاطف مع المظلومين والمرآة من المظلومين اجتماعيا فى مجتماعاتنا العربية ..انها رغم كل الخطوات التى تتم وهى كثيرة مازالت فى الانتظار لمكانة متساوية وبالتحديد فى اعماق العقل الجمعى للمجتمع وليس على مستوى المناصب وهذا لن يتم الا عن طريق التعليم الذى تكتبى فيه طوال عقود ؟! فهو الاساس للتغيير الاجتماعى ولذلك ومنذ وقت طويل حسمت امرى فى تفضيل ( تيمة المرآة ) لتظل موجودة دائما بشكلها الجميل …
ابتسم فهو مارس دوره الصحفى ايضا معى وجه لى السؤال ودفة الحوار وادخلنى مباشرة الى صلب الموضوع الذى اتنفسه التعليم فسألته فكيف تعلمت الرسم او كيف اكتشفت الموهبة ؟.. وكأنى فتحت حجرة الكرار فى مدارس مصر فى اوائل ومنتصف القرن الماضى حينما كانت هناك حصة للرسم وحجرة ايضا ومدرسين يعلموا الاطفال كما تعلم هو فى المدرسة الابتدائية فظهرت الموهبة واهتم بها المدرس وتم رعايتها فى المراحل الاخرى من الدراسة حتى حصل على البكالوريا التى اصبح اسمها التوجيهية والثانوية العامة والتحق بكلية الفنون الجميلة رغم تفضيل الاسرة لتخصص علمى اخر ولكن عمه الاستاذ الجامعى دعمه فى اختياره والتحق بالكلية ووقتها حدثت متغيرات فى اسرته استلزمت ان يساهم فى نفقات الكلية ورغم تخصصه بالديكور الا ان موهبته بالرسم كانت طاغية فالتحق بدار الهلال وكان وقتها مصطفى وعلى امين يرأس المؤسسة وهم من انصار المهنة ودعمه على امين جدا فى عمله بل صرف له المكافات السخية وهكذا كان لدور المدرسة والمدرس الذى رعى الموهبة طفلا ان تكون الاختيار الحتمى هو دراسة تخصص الفنون والرسم
..
قاطعت استرساله كالعادة ! وقلت تخيل الان تم الغاء درجات الرسم من المرحلة الوحيدة التى كانت تدرس بها اجباريا منذ الاربعينات حينما اصبحت الفنون والتربية الفنية مادة رئيسة بدرجات وليس مجال هوايات ..الان بعد ما يقرب من قرن تعود الى الهواية تحت لافتة الزبون اقصد اولياء الامور يريدوا مواد بدون درجات فيتم الغاء الالتزام الوحيد بوجود مادة شيقة بكتابها عن تاريخ الفن فى مصر …نتجاوز سويا الالم من السوءال لانتقل معه لاول مرة اتعرف على رسومه التى تنبض بالحياة وكأنها تتكلم وتتحاور الى مرحلة الثمانينات ورحلة الذكريات بعدما عاد الى مصر بعد ان عمل ببيروت مدة طويلة وعمل بمجلة العربى وبجوار اجمد بهاء الدين ..الذى يعشقه وصديقه ايضا والذى فتح له الابواب منذ جاء رئيسا لتحرير المصور عام ٦٤ فابتسم ايضا جدا وأقول له انه صاحب الفضل ايضا على ابى وانتقاله للعمل بالمصور فيقول احمد بهاء الدين شخصية فذة ليس على مستوى الصحافة فقط بل على المستوى الانسانى والفكرى والفنى موسوعة انسانية متنقلة إيامه كانت المصور المطبوعة الثقافية الاولى على مستوى الوطن العربى فكانت توزع ٩٠ الف نسخة فى الستينات ونصفهم خارج مصر فاحمد بهاء هو صاحب الانتشار لها عربيا وكان طبيعى ان اختاره او افضله عن الانتقال مع الاستاذ على امين الى الاخبار لاننى عاشق للثقافة وكان طبيعى بعدها انتقل الى العربى ولاول مرة فى المجلات يتم تخصيص باب للفنون التشكيلية كجزء من الصحافة والثقافة وبجانب الكاريكاتير فكان باب الرسم الصحفى او اللوحة الفنية هو الجديد وبعدها خضت تجارب فى لبنان وفى تأسيس جريدة السفير وعمل اللوجو الخاص بها …ثم عدت الى مصر والى المصور ! ابتسم مرة اخرى هذا من حسن طالع جيلى الجديد بالمصور فى هذا الوقت والان يحال الى المعاش !..يسكت لبرهة من الوقت احترم صمته القليل وكأن هناك دموع تستحضرها اللحظة حينما نتكلم عن دار الهلال والاغلفة والكتب اكثر من ٤٠٠٠ الاف غلاف صممها الاستاذ حلمى وكان لها شخصية مميزة جدا وأساله عن السبب فقال كل المؤسسات الكبرى العالمية فى النشر لها خط وتيمة تعرف بها من مجرد النظر الى الكتاب والخطوط والرسومات تلك سمة العالمية والدور العريقة ان يكون لها خط وعلامة وهو ما عملنا عليه بدار الهلال وغيرها من المطبوعات الثقافية وهو اتجاه بدأ فى الستينات مع دخول جيل الفنون الجميلة للصحافة مثلى ومعى اللباد وبهجت عثمان فقد كنا نريد للفن التشكيلى والثقافة ان تصبح شعبية وليست لطبقة محددة فقط غريمنا اولاد البلد وللحقيقة انا احب الفن الشعبى مثل الاكل الشعبى فكانت لابد لصور ورسومات المرأة ان تعبر عن المرأة المصرية الفلاحة وبنت البلد بالملاية اللف وهى غير الحجاب خالص او النقاب حتى لا يفتى البعض ..نسترسل كثيرا فى هذه النقطة وافصح له عما بداخلى من حسرة خاصة وان اغلب الرسوم حولى هى لبهية المرأة المصرية بجمال جسمها وتعبيرات الوجه البديعة فكيف يختفى كل ذلك فالمرأة المصرية ليست عارية ولكنها كانت مستورة بالتعبير الشعبى وبدون حجاب ونقاب ! اعرج معه لكتب نجيب محفوظ واغلفتها لنتحدث فى الادب والثقافة وعن التمرد الذى كان يحمله هذا الجيل وكيف ان كان الرسم منتشرا وليس حراما وقامت الدولة بعمل المعارض والسمبازيوم لفن النحت وهو فن مصرى اصيل منذ ايام الفراعنة بل لوحات الفيوم كانت قبل رسوم الكنائس الغربية بعشرة عقود فالرسم والايقونات وقبلها التماثيل والملابس فن مصرى اصيل يعنى تاريخنا فكيف يأتى اليوم الذى لا ندرس فيه تاريخنا وفنه وملابسه فتاريخ الفن هو جزء من مصر وعبقريتها فكيف ياتى اليوم لتلغى فيه هذه المناهج اجباريا بحجة ان الزبون ( ولى الامر )يريد ذلك وان الدرجات فى الرسم تؤثر ولدمعة اخرى المحها كامنة فى وراء كلامه هذا تاريخ مصر نحن بلد فنى ثم يتحدثوا عن المواهب والتطرف او حتى التكنولوجيا
..أصمت لان الكلمات ربما لاتفيد فى الحسرة او حتى فى الاستعجاب فالعين ترى قبل اليد والاذن تسمع قبل الكلام واللغة نفسها نوع من الرسم على الاوراق او حتى الكى بورد ..انتقل معه من موضوع لاخر وعينى لا تفارق المكتبة التى تحتل كل حوائط المنزل بجوار لوحات بهية وأحمل اوراقى واغادر المنزل الذى يقع فى شارع ام كلثوم بالزمالك والذى هدمت فيلتها الشهيرة التى اقيم مكانها برج خرسانى لتصدر منى همهمات اذا كانوا هدموا فيلا ام كلثوم لان الورثة يريدوا ذلك وهى هرم مصر والعرب الرابع فليس غريبا ان يتم الغاء مادة الرسم والفن اجباريا بدرجاتها فى المجموع لان الورثة ( اولياء الامور ) يريدوا ذلك واحتضن ماتبقى لى من رسوم واغلفة واحتفظ بها ربما تذكر يوما ما فى تاريخ الفن المصرى
إيمان رسلان
كاتبة وصحافية مصرية.مجلة ” المصور ” .دار الهلال.مصر
**
عن مجلة ” المصور” ديسمبر 2020
لباب ” مختارات سينما إيزيس ”