صلاح هاشم يكتب لجريدة ” القاهرة ” من باريس: هؤلاء علموني .. فوزي سليمان وسر عشق المصريين للسينما.
بمناسبة الاحتفال بـ”المئوية الأولى” لناقد سينمائي مصري كبير
هؤلاء علموني. فوزي سليمان–
يوم السبت الموافق 24 ديسمبر 2023 وصلتني الرسالة التالية في بريدي الاليكتروني، ويقول فيها صاحبها الذي لم أكن أعرفه أو التقيت به من قبل : (..السيد الأستاذ الكاتب و الناقد الكبير/ صلاح هاشم : تحية طيبة و بعد. سيادتكم من المفكرين والنقاد، الذين كان لهم تواصل مع الناقد الراحل/ فوزى سليمان ، وقد كتبت عنه سطورا رائعة على موقع سيادتكم- موقع “سينما إيزيس”، بعد رحيله (فى 3 سبتمبر 2017) و تم ضم هذه السطور ،فى الكتاب الذى صدر عن فوزى سليمان، من “دار الهلال” فى نوفمبر 2018 بعنوان (فى ذكرى صديق- عن فوزى سليمان و دوره) ..
و كنت اتمنى ان ارسل لك نسخ من هذا الكتاب ، ولكني اعرف ان سيادتكم فى باريس، فعند توافر أى فرصة ،وسيادتكم بالقاهرة، يمكن ان يتم الترتيب لذلك، و انا متابع جيد لكتابات سيادتكم فى جريدة “القاهرة”، و على صفحاتكم فى مواقع التواصل الاجتماعى، وأكتب لسيادتكم الان، لانه فى 8يناير 2024، تكون الذكرى المئوية على ميلاد الناقد الراحل والوالد العزيز من مواليد 8 يناير 1924، وتوفي في 3 سبتمبر2017 وأتمنى ان يتذكره زملاؤه من جيل المعاصرين له، بكتابة بعض السطور عنه، لاننى اعتقد انه يستحق ذلك، و اكون فى غاية الشكر والتقدير لسيادتكم.) وكانت الرسالة بتوقيع مهندس استشاري أديب فوزي سليمان..
كتبت ردا الى الإبن الأستاذ أديب، قلت له فيه : ( أهلا وسهلا استاذ أديب،يسعدني جدا طبعا أن أكتب في جريدة ” القاهرة ” عن عمنا.. وأستاذنا فوزي سليمان الحبيب ،بمناسبة الاحتفال بالمئوية الأولى على ميلاده في 8 يناير 2024 وإن شاء الله نلتقي في مصر على خير.كل التقدير وخالص محبتي..) ..
فوزي سليمان “ملك” المهرجانات السينمائية
والواقع أني كنت كتبت، على صفحتي أو حسابي في الفيسبوك من فترة ،خلال العام المنصرم 2023 قائمة أسماء بعنوان ” هؤلاء علموني “تضم أسماء مجموعة كبيرة من الناس والاساتذةوالفنانين والكتاب والنقاد والمبدعين، الذين تعلمت منهم، وعرفتهم عن قرب، واختلطت بهم في الوسط السينمائي المصري وبخاصة في فترة الستينيات، في مرحلة الدراسة في جامعة القاهرة والتكوين..
مثل الأستاذ فوزي سليمان الذي كنت اقرأ مقالاته في مجلة ” السينما ” – رئيس التحرير الأستاذ سعد الدين وهبة – مع مقالات الأستاذ أحمد الحضري والأستاذ يوسف شريف رزق الله..
والأستاذ عبد الفتاح الجمل المشرف على الصفحات الثقافية في جريدة المساء- وأعتبره الراعي الرسمي لجيل الستينيات بأكمله – الجيل الذي أنتمي إليه، ود.علي شلش و د.صبحي شفيق والأستاذ رؤوف توفيق رئيس تحرير مجلة ” صباح الخير” وغيرهم..
وبعضهم درّس لي في الجامعة من أمثال د.فاطمة موسيى ( فن الرواية ) ود.مجدي وهبة( فن الشعر) ود.رشاد رشدي ( مادة وتاريخ النقد )، و حيث تعرفت علي الأستاذ فوزي سليمان عام 1965 وأنا مازلت طالبا في قسم الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة القاهرة في فترة الستينيات،وأعتبرها أكثر الفترات الثقافية توهجا في تاريخ مصر الحديثة ،حيت كنت أتابع جولاته المكوكية، في مهرجانات السينما العالمية،وأعتبره ” ملك المهرجانات السينمائيةكنت اتابع مقالات د. لويس عوض في جريدة الأهرام، واقرأ له ضمن جموعة من النقاد تأثرت بهم وبكتاباتهم، مثل عبد القادر المازني ومحمد مندور ..
ولم أكنب آنذاك أكتب في السينما، بل كنت أكتب القصة المصرية القصيرة، بإتقان وحرارة ، كما يقول د. غالي شكري في مقدمة كتاب ” الوطن الآخر. سندباديات في شوارع أوروبا الخلفية مع المهاجرين العرب، الصادر عن دار الآفاق الجديدة في لبنان عام 1981 حتى ذلك الوقت ،وأنا طالب في الجامعة ،ولم أتخرج بعد، لم أكن تعرفت على الأستاذ الناقد فوزي سليمان فلم يكن يتردد على المقاهي الأدبية مثل مقهى إيزائيفتش و مقهى ريش، أو يصادق الشعراء والكتاب الذين تعرفت عليهم – مع صديقي عبد العظيم الورداني زميلي في القسم وقتذاك – في ذلك المقهى الأخير وصاحبتهم،مثل الأساتذة بهاء طاهر وجمال الغيطاني ونجيب محفوظ وأمل دنقل وجميل عطية وإبراهيم أصلان ويحيى الطاهر عبد الله ومحمد البساطي وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم، وكانت مقالاتنا وقصصنا وترجماتنا ينشرها لنا الاستاذعبد الفتاح الجمل في المساء، الراعي الصالح – كما كتبت عنه الصحافية المصرية عائشة المراغي – لجبل بأكمله، وكانت مصر كلها تقرأ ماينشر في المساء.
إلى أن إلتقيت بعم فوزي سليمان، عندما ذهبت لتغطية مهرجان ” كان ” السينمائي العالمي لمجلة” الوطن العربي ” أول مجلة عربية إسبوعية تصدر من باريس، عام 1981، وكنت بدأت قبلها أكتب في السينما في المجلة المذكورة عن مهرجانات فرنسية ،مثل مهرجان مونبلييه للسينمات المتوسطية ومهرجان القارات الثلاث افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية،ومهرجان أوبرهاوزن في ألمانيا، وأخطو خطواتي الأولى في النقد السينمائي..
ومنذأن تعرفت شخصيا على عم فوزي سليمان عام 1981 في مهرجان ” كان ” ،في صحبة مجموعة من اهم الكتاب والنقاد السينمائيين في مصر، من امثال الاساتذة أحمد الحضري و رفيق الصبان ورؤوف توفيق ويوسف شريف رزق الله وسمير فريد ، صرنا أصدقاء في التو،
ليس فقط بسبب عشقنا للسينما والفن السابع الحلال وافلامه..
، بل بسبب ثقافتنا الإنجليزية أيضا، ودخولي الى السينما من باب ” الأدب ” ودراستي للأدب الإنجليزي، قبل أن أشرع في كتابة القصة المصرية القصيرة، كما كان عم فوزي سليمان استاذا للغة الانجليزية في المدارس الثانوية المصرية،قبل أن يتفرغ تماما للكتابة في السينما، ويجعلنا من خلال كتاباته ،نتعرف على تطور أساليب وفكر السينما الحديثة المعاصرة في العالم..
من خلال حضوره للمهرجانات، والكتابة عن أفلامها، ووقائعها وندواتها ،حتى صار ملك المهرجانات في الوسط الأدبي والثقافي والفني في بلدنا، وللجيل الذي أنتمي إليه،عن إستخقاق وجدارة..
سر عشق المصريين للسينما
وكانت مفاجأة كبيرة لي عندما التقينا ، أنه أخبرني بأنه أعجب كثيرا بمقال لي عن المخرج الأمريكي الكبير ستانلي كرامر، كنت عثرت عليه في مجلة سينمائية قديمة، اشتريتها من ” سور الأزبكية ” في مصر، فقمت بترجمة المقال عن الانجليزية ،وأرسلته وأنا طالب في الجامعة الى “مجلة السينما” الشهرية – رئيس التحرير سعد الدين وهبة -فنشرته لي ف صفحة 64 في العدد 19 الصادر في شهر أغسطس 1970 ، من دون أن تعلم أني شاب صغير عمره 20 سنة فقط، وهو يخطو أولى خطواته، في الكتابة عن السينما، وحدث أن الأستاذ فوزي سليمان كتب ملفا عن السينما الدانمركية في 10 صفحات من صفحة 46 الى صفحة55 في باب ” السينما في العالم”في نفس العدد ..
وتعلمت من الأستاذ فوزي سليمان سليمان، وفي كل مرة كان يتجدد فيها اللقاء به في مهرجان ” كان ” في صحبة أهل ” كان ” من الكتاب والنقاد والسينمائيين المصريين – من أمثال أحمد الحضري ورفيق الصبان ومحمود علي وأحمد صالح ووحيد حامد ورؤؤف توفيق وماجدة واصف وسمير فريد ويوسف شريف رزق الله وماجدة خير الله وغيرهم – تعلمت أولا أن مشاهدة الأفلام وإبداء الرأي فيها هو مهنة حقيقية وضرورية، ولايجب أن يستهان بالمعارف الجديدة، التي يتحصل عليها الناقد من خلال مشاهدته للأفلام – عين على السينما وعين على الوطن والعالم – والتعليق عليها، والتي تتسامق بالنقد السينمائي، لتجعله وثيق الصلة بمهنة التربية والتعليم..
ولذا لايستطيع الناقد المحترف، والباحث الموسوعي ،أن يزوال مهنة أخرى، حيث أنه يكرس الساعات الطوال كما يقول الناقد الفرنسي الكبير -هؤلاء علموني – ميشال سيمان- أكثر من 10 ساعات في اليوم للسينما – بل وأحيانا كل سنين عمره – ثم يضعهاكما فعل فوزي سليمان، القدوة والمثال – للبحث عن المعلومات الخاصة، بمخرج الفيلم وصناعه- كاتب سيناريو الفيلم ومدير تصوير الفيلم وممثلينه – بل وكل المعلومات التي يمكنه، بل من واجبه، أن يبحث عنها، قبل أن يكتب عن الفيلم، والتي تغذي لديه ، وتعزز من قيمة ونعمة “الفضول”، والشغف بالسينما جماع الفنون ، والانفتاح – من خلال إتقان ودراسة لغة أو لغات أجنبية وبخاصة الانجليزية والفرنسية – الإنفتاح على ممالك و ثقافات وشعوب العالم، ثم يضعها – هذه المعلومات في التاريخ والجغرافيا واللاهوت والفلسفة والنثروبولوجيا ( علم الإنسان ) عن فيلم ما- تحت تصرف القراء ..
كما تعلمت ثانيا من أستاذي فوزي سليمان، أن عشق السينما، والولع بها ،هو أصلا من حب المصريين للناس، والبشر،وهو نابع من حضارة مصر” أم الدنيا “، وهذا الارتباط في اللاوعي الجمعي المصري، بالضمير الإنساني – وهو إختراع مصري، مع مفهوم ” الخلود ” ، وفضول المشاءين الكبار، والمخرجين الفلاسفة العظام، الذين يرون لنا قصة الأرض، كما فعل المخرج الايرلندي العظيم جون هيوستون، صاحب فيلم ” الملكة الافريقية”، وفيلم ” أهالي دبلن ” عن رواية للروائي الايرلندي جيمس جويس، الذي ترجم لنا عمنا فوزي سليمان كتابا عنه ،حياته وفنه وأفلامه ،ومسيرته السينمائية الكبيرة.شكرا أستاذ فوزي سليمان على كل شييء ، وثق تماماأنك مازلت – طالما بقى فينا رمق من حياة –.. مازلت بيننا..
بقلم
صلاح هاشم .باريس
صلاح هاشم مصطفى كاتب وناقد مصري مقيم في باريس.فرنسا.مؤسس موقع ” سينما إيزيس ” في باريس عام 2005 ومهرجان ” الموسيقيى في السينما.جاز وأفلام ” عام 2015 في مصر.الدورة السادسة للمهرجان تعقد في شهر مارس 2024
***
نقلا عن جريدة ” القاهرة ” الإسبوعية – العدد 1227- الصادر بتاريخ 23 يناير 2024