صلاح هاشم يكتب من باريس لجريدة ” القاهرة ” عن الإحتفال بمئوية ستوديو ” وارنر ” في فرنسا : من “مغني الجاز” 1927 الى “إلفيس” 2022،مائة فيلم وفيلم هزت العالم.
” وارنر ” . رحلة في ” ذاكرة ” السينما الأمريكية
في إطار الإحتفال بـمرور مائة عام على تأسيس ستوديو ” وارنر ” في فرنسا والعالم – WARNER – الذي يعتبر ثالث أقدم ستوديو سينمائي في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد كلا من شركتي أفلام ” بارمونت” و” يونيفرسال “، وكان أسس شركة الإنتاج العملاقة أربعة أخوة يهود مهاجرين من بولندا الى كندا، ثم الى أمريكا، وهم هاري وألبرت وسام وجاك وارنر، في 4 إبريل عام 1923..
وارنر وفيلم ” مغني الجاز “
تعرض “قاعة ماكس لندر بانوراما ” في الحي التاسع في العاصمة الفرنسية باريس حاليا ،مجموعة من أبرز الأفلام الأمريكية التي أنتجتها الشركة عبر مسيرتها الطويلة والرائدة في إنتاج الأفلام التي هزت العالم خلال 10 عقود، ومن ضمنها فيلم ” مغني الجاز ” من إخراج آلان كروسلاند، أول فيلم ناطق في تاريخ السينما من إنتاج 1927 ..
بعد أن إحتفل مهرجان ” كان ” السينمائي76 بالمئوية،من خلال عرض فيلم في قسم ” كلاسيكيات كان “عن الشركة، يحكي عن تاريخها وإنجازاتها،وإضافاتها الغنية الى تاريخ السينما، وتطور فن السينما بإتجاهاته ومذاهبه في العالم..
والإحتفال بالمئوية كذلك في ” السينماتيك الفرنسي ” – LA CINEMATHEQUE FRANCAISE -أرشيف الأفلام الفرنسي العظيم في الفترة من 31 مايو الى 18 يونيو ، من خلال تظاهرة بعنوان ” وارنر بروزرز في السبعينيات”،عرضت مجموعة من أبرز إنتاجات الشركة في فترة السبعينيات ا” الثورية ” المجيدة..
ويحسب لشركة وارنر التي تقع استوديوهاتها، أو بالأحرى ” معابدها السينمائية ” في منطقة بروبانك ، بمدينة لوس انجلوس،أنها وفي وقت كانت معظم شركات إنتاج الأفلام الأمريكية، تميل في فترة العشرينيات، الى إنتاج أفلام تدور أحداثها في عوالم الخيال و السحر والأحلام..
كما في مجموعة كبيرة من الأفلام الصامتة، التي حققها المخرج الفرنسي العظيم جورج ميلييس، ومن ضمنها فيلم ” رحلة الى القمر ” المأخوذة عن رواية للكاتب والروائي الانجليزي هربرت جورج ويلز، من نوع ” الخيال العلمي ” وإستكشاف المجرات والنجوم والكواكب السيارة..
وارنر وأفلام الواقعية
يحسب لشركة ” وارنر بروزرز ” – بعد نجاحها في إدخال الصوت الى السينما من خلال إنتاج فيلم ” مغني الجاز ” أول فيلم ناطق في تاريخ السينما عام 1927 – و بخاصة في الفترة من 1930 والى 1939 ..
إنتاج أفلام سينمائية واقعية، و ” مغايرة ” ومرتبطة بالأرض، من ضمنها فيلم ” ريكو ” – RICO- أو ” قيصر الصغير ” إخراد مرفين لوروي وبطولة الممثل الأمريكي العملاق إدوارد روبنسون،عن عالم الجريمة والعصابات والعنف في أمريكا..
أفلام ترتبط بحركة الواقع والتاريخ، وتحكي ،خلف واجهات الحلوى والحلم الأمريكي الجميل، عن واقع جد ” مظلم “، ويعكس تناقضات المجتمعات الأمريكية، وعلى إعتبار أن السينما، ليست للمتعة وحدها، و للتسلية وتزجية أوقات وأوراق الفراغ فحسب، بل هي أداة أيضا للتأمل والتفكير، في واقع مجتمعاتنا، وللإنسانية جمعاء، والحلم ، إنطلاقا من الوعي بالواقع وتناقضاته، بـ ” أمريكا أخرى ” خلف التلال، أكثر حبا وعدالة وتسامحا..
وارنر. والسابحات الفاتنات
وكانت وارنر أيضا ، في كشف حساب شركة ” ماجور ” أمريكيةعملاقة على سكة السينما و” التنوير ” وفيما يحسب لها، إنطلقت ومنذ فترة الثلاثينيات في إنتاج العديد من الأفلام – بعد أفلام الجريمة والعصابات – من نوع الأفلام الموسيقية، مثل فيلم ” برولوج .الشارع 42 ” الذي يحكي – الى جانب عرضه لظروف الشارع الأمريكي في ظل الأزمة الإقتصادية الصعبة ، وتوابعها القاسية المؤلمة – عن الإستعاد لأنتاج فيلم موسيقي،يجمع 100 سبّاحة من السابحات الأمريكيات الفاتنات، لتقديم ” إستعراض ” في حمام سباحة..
ويقال أن مدرب الرقص الأمريكي الشهير بيبسي بيركلي، طلب آنذاك من جاك وارنر مدير الشركة أن يتقاضي في نظير تدريبه السابحات الفاتنات ، وحتى الإنتهاء من تصوير الفيلم، 10000 دولار في الدقيقة ! وكان على جاك، الذي لم يفلح في إقناع بيركلي بالحصول على أجر أقل، أن يضطر الى طلب ” قرض مالي ” من بنك أمريكا، للإنتهاء من إنجاز ذلك الفيلم – PRLOGUE- إنتاج 1933 الذي أحدث ” ثورة ” في تاريخ الأفلام الموسيقية في العالم..
كما أنتقلت الشركة ومنذ فترة الثلاثينيات أيضا، الى إنتاج أفلام من نوع أفلام المغامرات، مثل فيلم ” كابتن بلود ” 1935 أخراج مايكل كورتيس وبطولة إيرول فلين، وكنت شاهدت الفيلم وأنا صغير في سينما إيزيس في حي السيدة زينب، وتعلمنا منه نحن الأطفال الأشقياء ، في حينا العريق ” قلعة الكبش ” بجوار مسجد أحمد إبن طولون، كيف نحب مثل كابتن بلود،ونغازل فتيات الحي، وكيف نلعب ونبارز بالسيف..
كما يحسب لشركة وارنرأيضا، أنها صنعت نجومية وشهرة العديد من الممثلات والممثلين والمخرجين الأمريكيين، الذين أصبحوا في مابعد ” أيقونات ” سينمائية من صنع “وارنر” – WARNER BROTHERS – هوليوود في العالم ، من أمثال لورين باكال، وهمفري بوجارت، وجيمس كانجني، وايرول فلين، وجاري كوبر، وبيتي ديفيز،وفرانك كابرا،جوان كراوفورد، وجون هيوستون، و وراؤل وولش، ومارلون براندو، وإليا كازان وغيرهم
وكانت الاحتفالية التي اقيمت في السينماتيك الفرنسي لتكريم شركة وارنر، ركزت على عرض مجموعة كبيرة من الأفلام ” الثورية ” التي حققتها الشركة في فترة السبعينيات، في أعقاب ثورة الطلبة المجيدة في أمريكا والعالم، وحققت ” نقلة نوعية ” لتوجهات وارنر الفنية..
من ناحية الإنفتاح على، والنهل من التأثيرات التي أحدثتها حركة ” الموجة الجديدة ” في فرنسا ، من ” تحرير ” و ” تثوير”، إن على مستوى الشكل أوالمضمون، في أفلام جد متميزة، تألقت بـ ” حداثة السينما المعاصرة” ، من صنع ” المخرج المؤلف “، وهي تصور في الشارع الباريسي ، خارج الاستوديوهات، ومن صنع بعض رواد تلك الموجة الجديدة ،من أمثال جان لوك جودار، وفرانسوا تروفو، وآنياس فاردا، وإيريك رومير..
فقد سارت الأفلام من إنتاج وارنر والشركات التابعة لها في تلك الفترة السبعينية، على ذات النهج، وحققت من خلال مجموعة كبيرة من أفلامها الرائعة، العديد من ” الإضافات” الفنية،على مستوى “تطوير” النوع السينمائي ذاته، نوع ” أفلام الجريمة والعصابات “..
كما في فيلم ” بوني وكلايد ” – من النوع الأخير – للمخرج الأمريكي آرثر بن وبطولة فاي داناواي و وارين بيتي،ويبدو فيه بجلاء مثلا، في موضوعه ومنحاه الفني، تأثر مخرجه بفيلم ” على آخر نفس ” بطولة جان بول بلموندو وجين سيبيرج، للمخرج والمفكر السينمائي الفرنسي الكبير جان لوك جودار..
وعلى مستوى أفلام من نوع “أفلام الرعب “، كما في فيلم ” بريق” – SHINING- بطولة جاك نيكلسون للمخرج الأمريكي العظيم ستانلي كوبريك، وفيلم ” طارد الأرواح ” – THE EXORCIST- لوليم فريدكين، أو الفيلم الواقعي، كما في فيلم ” شوارع وضيعة ” – MEAN STREETS- للمخرج مارتين سكوسيزي، أو نوع “أفلام الطريق” ، كما في فيلم ” خيال المآتة ” – SCARECROW – لجيري شلتزبيرغ، وفيلم ” بادلاند ” لتيرنس مالك، وفيلم ” خلاص ” – DELIVRANCE- لجون بورمان، ونوع “الفيلم الموسيقي” كما في فيلم ” وود ستوك – – للمخرج مايكل والدلي..
وهكذ كانت شركة وارنر، ومن خلال تعاملها مع مجموعة من المخرجين الأمريكين الجدد في فترة السبعينيات، قد فتحت الباب لدخول لموجة من المواهب السينمائية الكبيرة،عرفت بإسم ” هوليوود الجديدة ” تضم أسماء مخرجين أمريكيين كبار من أمثال ستانلي كوبريك، وجورج لوكاش، وفرانسيس فورد كوبولا، وسيدني لوميه، وروبرت آلتمان، وآلان باكولا، وكينت إيستوود ، وغيرهم، الذين وضعوا بصماتهم – بفضل وارنر الشركة المنتجة لأفلامهم – على حقبة السبعينيات بأكملها،و” حداثة ” السينما المعاصرة في العالم.
بقلم
صلاح هاشم مصطفى
صلاح هاشم كاتب وناقد مصري مقيم في باريس .فرنسا