” كارافاجيو” في السينما بقلم د. أحلام فكري
فيلم الفنان التشكيلى الإيطالى “كارافاجيو” ، عرض في مهرجان القاهرة السينمائي في دورة سابقة، وهو من الأفلام التى تحتاج إلى انتاج ضخم، لما تحمله تلك المرحلة التي يحكي عنها الفيلم، منذ القرن الخامس عشرة وبداية عصر النهضة، من أزياء مميزة ، من طراز ذلك العصر
إلى جانب الديكور والاكسسوارات والضوء وأماكن التصوير ،وتوثق إيطاليا بهذه الأفلام لمرحلة هامة من تاريخ حضارتها الهائلة ، وقد قام بإخراج الفيلم المخرج الإيطالى انجيلو لونجوتى، وقام بكتابة السيناريو جيمس كارينجوتن وقام بدور الرسام “كارافاجيو- Caravaggio” الممثل الإيطالى “اليسسيوبونى Bonnie- Lesion “، والممثلة الإيطالية” كلينا كيم- Cleona Kim”.
ولد ” مايكل انجلوميس – Michel Angelomis” وشهرته “كارافاجيو – Caravaggio” قرب برشيا فى إقليم لومبارديا، وتلقى تدريبه الأول فى ميلانو ، ثم رحل من بلدته إلى روما قبل أن يبلغ العشرين من عمره، حيث أمضى الفترة من 1588-1591 حالما أن يصبح رسامًا مشهورا، ولم يكن الطريق أمامه سهلا، بل كان مليئا بالصراعات، ضد الفقر والمرض ، ومالبث أن أبدع “النزعة الطبيعية” التى غدت نقيضًا للنزعة المتكلفة السابقة
وبدلًا من إنتقاء الشخصيات البارزة ، إنبرى يصور النماذج المستمدة من الحياة الشعبية،التى يخالطها ويقع عليها بصره ، مفضلاً تسجيل قسمات العامة من الناس وسلوكهم، حتى أنه أعجب بفتاة فقيرة من العامة ،واتخذ منها موديلا لأعماله
وقد كان يرى فى ملامح وجهها التعيس والبسيط، ماينشده من تحقيق هدفه وطموحه الفنى، حتى انه قام بتعريض نفسه للخطر، فدخل فى صراع بمبارزة ذلك الشخص الشرير، الذى اعتدى عليها، وقام بتشويه وجهها بضربة سيفه، فكان لذلك أعمق الأثر فى نفس كارافاجيو الإنسان، الذى تعاطف مع البسطاء والمظلومين والمحرومين من عامة الشعب، المقهورين بتقاليد ذلك العصر، وقد إهتم بموضوعات الطبيعة الصامتة، من زهور وفواكه، كانت تنال إعجاب الزائرين وبخاصة الكاردينال “دى مونت”، الذى عمل لديه فترة ،وجاء مشهد الأستوديو فى الفيلم فى غاية الروعة، وطريقة إعداد الرسام للألوان، وتحضير العمل، ووضعية الموديلات، والدقة والعناية بكل التفاصيل الصغيرة .
ومن نماذجه المبكرة لوحة ” باكجوس عليلًا ، و”ميدوسا” وتكشف كلها عن روح النضارة والمباشرة، وخلوها من الإصطناع والتكلف الأكاديمى الشائع فى روما آنذاك، ، أما التجديد الذى أتى به وأذاع صيته، وجعل إسمه موضع الجدل والخلاف، فلم يكن تطبيق الأسلوب الواقعى، على الصورر الدينية فحسب
إنما كان ينطوى على العمق الدرامى، لعنصر الضوء، والتضاد بين الظل والنور ، وكان يقوم بتسليط الضوء الحاد ،على تكويناته الفنية سواء كانت عنصرًا بشريًا أو طبيعة صامتة، وذلك من خلال مصباح معلق بأحد زوايا مرسمه ، ليستقر الضوء على أحد جوانب تكوينه، تاركًا بقية الأجزاء فى ظلام دامس ، وهو مايثير روح التعاطف عند المتلقى، ويشده إلى بقية التفاصيل، والإستغراق فى حالة التأمل
كذلك نلاحظ قناعته من الألوان الأساسية بلون واحد ، وذلك بإكتفائه أحيانًا باللون الأحمر الوهاج ، وبالجمع في لوحاته بين البساطة والشموخ، مما جعلها شديدة التأثير فى الحركة الدينية الشعبية خلال عصره ، كذلك تميزت لوحاته ببراعة كارافاجيو ، فى إتقان التصوير ، والتقليد البارع، للأشياء الطبيعية، فقد كان كارفاجيو الفنان الفذ، مملوءًا بروح التفاؤل، الذى شاع فى ذلك العصر ،من بساطة وحب للحياة .
والموضوعات الدينية التى سجلها كارافاجيو، يتمثل فيها الحضور المسرحى للشخوص، وتصويرهم فى ذروة لحظاتهم العاطفية، المعبرة عن دخائلهم ، وهو بحياته القصيرة ، كان قد عاش عصرًا كبيرا بآفاقه الرحيبة
ومن أعماله التى تستحق أن نتوقف المرء أمامها، وتم تصويرها فى الفيلم بعناية وتكنيك عال، وفهم عميق للمشهد، والإحساس بالشخصية، اللوحة التي يفزع فيها ذلك الفتى، الذى قام بدور الموديل، فى معظم اعمال كارافاجيو ،وهو صاحب شخصية كوميدية، وقد تحسب بسبب جماله أنه فتاة، وذلك أثثاء محاولة كارفاجيو وضع السحلية فى يده، وكان عليه أن يمسكها بيده في اللوحة، فكان مشهدًا رائعًا حيث إلتقط الفنان تلك اللحظة العفوية التى مرت سريعًا، والتقطها فى نظرة الفتى، وحركة ذراعه الحادة ، في محاولته الهروب من السحلية، وهو لايستطيع في ذات الوقت، أن يتحرك من مكانه .
وقد اتسمت هذه اللوحة بالصدق، بما فيها من تسجيل الإحساس بالحركة، التى كانت حقيقية، و حيث يظهر، ذلك التضاد الحاد، بين النور والظل ، الذي يجعلنا تستنتج أن تاريخ هذه اللوحة، يسبق السنوات العشرة الأخيرة من القرن ، وإنها لوحة سابقة لعصرها
وقد كان محرك هذا العمل، خيبة أمل الفنان فى الحب، وهى خيبة الأمل التى حطمت سعادة كارافاجيو الشاب، بالإضافة إلى أن هذه اللوحة تمثل أفضل النسخ الثلاثة المعروفة، التى صورت هذا الموضوع، ورغم بعض العيوب التى لحقت بها، والتى تطلبت إعادة ترميمها ، فإنها لحسن حظنا ربما، مازالت تحمل ملامح البداية الأصلية لظهور كارافاجيو ، ويبدو أن هذه الصورة تنطوى على استعارة أو مجاز ، فمن الواضح أن السحلية، تمثل علامة أو دلالة غير سارة، حيث تشير بعض المصادر القديمة الى أنها ترمز إلى الموت، كماتشير مصادر أخرى الى أنها السحلية ترمز إلى الشبق..
د/أحلام فكرى