مصر الى أين ؟ الأغلبية تفضل الفضفضة في الجلسات الخاصة لأن الحيطان لها ودان بقلم حسام عبد البصير
لم ينتظر المصريون طويلا للتعرف على الرد الإثيوبي بشأن دعوة مجلس الأمن بالعودة للتفاوض مع مصر والسودان حول سد النكبة، إذ حملت تصريحات المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي، مراوغة جديدة من بلاده، في مسار التنسيق بشأن المفاوضات بين الدول الثلاث، وقال المفتي، خلال مؤتمر صحافي، “إثيوبيا ترفض اتفاقية ملزمة بشأن سد النهضة، وننتظر دعوة الرئيس الكونغولي لاستئناف المفاوضات”. وسادت حالة من الغضب بين برلمانيين ومراقبين وشخصيات بارزة في دوائر صنع القرار في القاهرة، وبلغ الغضب مداه كذلك في أوساط الرأي العام، إذ لا تتوقع الأغلبية ولا النخبة تراجع أديس أبابا، التي ظلت طيلة عقد كامل تعتمد المراوغة منهجا لموقفها.
وفي صحف أمس الخميس 30 سبتمبر/أيلول واصل كتاب الحديث عن ضرورة البحث عن أسلوب خشن في التعامل مع إثيوبيا، ومن ثم عاد الكلام عن ضرورة تأديب الأحباش. ومن قرارات القصر الرئاسي: أصدر الرئيس السيسي قرارا بالموافقة على قرض بين مصر وبنك التنمية الأفريقي بشأن برنامج الصرف الصحي المتكامل في المناطق الريفية في صعيد مصر- الأقصر، بمبلغ لا يتجاوز 108 ملايين يورو.. وبالنسبة للتقارير المعنية بقطاع النقل: علق الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، على الحدث التاريخي ببلوغ قناة السويس أعلى معدل عبور يومي للسفن في تاريخها من خلال عبور 87 سفينة في الاتجاهين بدون انتظار، قائلا: “لولا القناة الجديدة ما كان بوسعنا أن نسجل هذا الرقم من السفن”. ومن أخبار الإمام الأكبر: قال الشيخ محمد الطيب الشقيق الأكبر لشيخ الأزهر، إنه بخير ولا صحة لما تردد عن مرضه، أو تعرضه لعمليات جراحية، مضيفا: “تعودنا منذ أن تولى مشيخة الأزهر من 10 سنوات على ظهور الأكاذيب، إن كانت من جاهل أو حاقد”. ومن تقارير الحكومة: نفت وزارتا البيئة والتنمية المحلية، فرض أي زيادات جديدة على رسوم جمع القمامة المقررة في قانون المخلفات الجديد، وشددتا على أن أسعار جمع القمامة في منظومة إدارة المخلفات الجديدة، لم يطرأ عليها تغيير وفقا للمادة 34 من “قانون تنظيم إدارة المخلفات رقم 202 لسنة 2020” الجديد. من بين الأخبار التي أثارت جدلا: أصدر الدكتور طارق رحمي محافظ الغربية، قرارا، بوقف أي موظف عن العمل لمدة 3 أشهر مع خصم نصف راتبه، إذا قام بحرق أي مخلفات داخل أو خارج المصلحة الحكومية، كما شمل القرار أيضا العاملين بنظام اليومية، حيث سيتم استبعاد من يقوم بارتكاب المخالفة نفسها وذلك في إطار حرص المحافظة على صحة المواطنين، وعدم تلوث الهواء والبيئة…
لهذا ضعيفة
عند تقييمه للاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان، التي جرى إطلاقها مؤخرا، آثر زياد بهاء الدين في “المصري اليوم” أن يبدأ بمواطن الضعف، وقدرها بثلاثة جوانب:الأول أن الاستراتيجية ترتكز على افتراض أن التحديات الرئيسية التي تواجه تعزيز وحماية حقوق الإنسان في مصر تتمثل في: ضعف ثقافة حقوق الإنسان، والحاجة لتعزيز المشاركة في الشأن العام نظرا لـ”ضعف الوجود المجتمعي الفعال للأحزاب السياسية، وعدم انخراط الشباب في العمل الحزبي، والحاجة إلى زيادة فاعلية القنوات المؤسسية للتشاور مع منظمات المجتمع المدني”، وتحديات التنمية الاقتصادية، وأخيرا تحديات الإرهاب والاضطراب الإقليمي. وهذه نقطة ضعف، لأنه بينما لا خلاف على أن الوضع الاقتصادي وخطر الإرهاب تحديان هائلان لا يجوز الاستهانة بهما، فإن اعتبار ضعف الثقافة وضعف المشاركة السياسية أهم تحديين يواجهان حقوق الإنسان في مصر ليس سليما، لأن السبب وراء الأمرين هو القوانين المقيدة والسياسات التي تحد من مشاركة الشباب في العمل الحزبي والأهلي، وهذه عوائق تملك الدولة – إذا شاءت – أن تخفف منها، أو تزيلها بدلا من اعتبارها عوامل مستقلة مفروضة علينا. أما نقطة الضعف الثانية فهي أن الاستراتيجية في بعض المواضيع المهمة تقترح إصلاح الأثر الثانوي وليس العائق الأصلي، أو الأساسي. ونأخذ هنا مثال الحبس الاحتياطي، حيث تناولت الاستراتيجية هذا الموضوع بكثير من الاهتمام والتفصيل، وانتهت بتوصيات بالحد من الإفراط في الحبس الاحتياطي. وهذا في حد ذاته جيد بلا شك. ولكن كان الأجدر أن تتطرق قبل ذلك للقوانين المخالفة للدستور، التي فرضت مناخا عقابيا شديد الاتساع، وأن توصي بمراجعة الجرائم والعقوبات الأصلية الواردة فيها، بدلا من التركيز على الإجراءات الاحترازية المرتبطة بها مثل الحبس الاحتياطي. وأخيرا، تتبقى الإشارة لنقطة الضعف الثالثة وهي، الفجوة الواقعة بين ما جاء بالاستراتيجية من توجهات جيدة ومقترحات مهمة والواقع العملي، وكان يلزم تناول الأوضاع الراهنة بقدر أكبر من الصراحة، وباقتراح برنامج زمني لتنفيذ الإصلاحات المنشودة حتى يطمئن المجتمع إلى أن هذه الفجوة جار إغلاقها ولو تدريجيا.
سرك في بير
رغم ما أفرزته التكنولوجيا من تحولات محسوسة في الحياة الاجتماعية للمصريين، فإن «القعدات الخاصة» لم تزل إحدى الأدوات التي تعتمد عليها الغالبية في التواصل الدافئ، وبث الهموم، والتنفيس عن النفس. كما أوضح الدكتور محمود خليل في “الوطن”، قد يقول قائل إن حدوتة «القعدات الخاصة» منحصرة في جيل الكبار، وإن الأجيال الجديدة تميل إلى التواصل الافتراضي بالدرجة الأكبر، وإن الشيطان الصغير الذي يطلقون عليه الموبايل أصبح الأداة التي يعتمدون عليها في التجمع والتواصل. لا نستطيع بحال إغفال دور أدوات التكنولوجيا، ليس لدى الأجيال الجديدة فقط، بل بين أجيال الكبار أيضا، فقد وفّرت أداة للتواصل الدائم غير المحكوم بمكان أو زمان، لكن بالنسبة لكل الأجيال لم تزل القعدات الخاصة والتواصل الإنساني الدافئ ممارسة اجتماعية مهمة، يحرص عليها كل من يستطيع الاندماج فيها. قعدات الكبار الخاصة مدارها بث الهموم، وتبادل الشكوى من الأولاد، واجترار الذكريات، واستدعاء صور الماضي الجميل، الذي يكتسب جماله من كونه عبَر وفات، فالعابر والفائت جميل لأنه لن يعود ثانية، أما القائم والمعاصر فشره مستطير لأنه لم يزل يكبس على الأنفاس، بالإضافة – بالطبع – إلى تبادل الحديث عن الأمراض والأدوية، وأحيانا ما يتطرق إلى الأوضاع العامة، لكنه سرعان ما يعود إلى مربع «الفضفضة الشخصية». قعدات الشباب أيضا لها أجندتها، وغالبا ما تسيطر عليها الأحاديث عن الصاحب والصاحبة، وبث المشكلات الأسرية الناتجة عن خلافات بين الآباء والأمهات، وتحظى أحلام الشراء بحضور واضح فيها، خصوصا شراء الموبايلات واللبس والأكل والشرب وخلافه، أحيانا ما تظهر الأمور الدراسية وطموحات المستقبل على أجندة قعدات الصغار، لكن الملاحظ أنها لا تحظى من جانبهم باهتمام كبير.
بين صخب وهمس
على مستوى نبرة الحوار، يغلب الصخب على قعدات الكبار، كما لاحظ الدكتور محمود خليل، فلم يعد شىء يهم، والتعب يدفع صاحبه إلى رفع الصوت، لأن الحنجرة باتت الأداة الوحيدة القادرة على العمل بكامل قوتها، أما بقية أعضاء الجسم فتضعضعت. أسلوب الحوار في قعدات الشباب يتراوح بين الصخب والهمس، فأحيانا ما تعلو الأصوات حتى تغالب بعضها بعضا، خصوصا في المواقف المضحكة، وأحيانا ما يغلب عليه الهمس عند تناول العلاقات العاطفية، أو المشكلات الأسرية، لأن الجيل الجديد لم يزل يحتفظ بتصور الجيل القديم نفسه، حول هذه الأمور ويعتبرها «عورة» تستوجب الهمس عند ذكرها. الضحكة حاضرة في قعدات الكبار والصغار. ويغلب عليها في قعدات الكبار الضحك البائس، وهو نوع من الضحك يستجلبه الفرد من داخله استجلابا، وأساسه السخرية من الذات أو السخرية من رفقاء القعدة، أما قعدات الصغار فيسيطر عليها الضحك الفارغ، لسبب ولغير سبب، فالضحك بالنسبة للصغار أحيانا ما يكون مطلوبا لذاته، وموضوع الضحك لدى الصغار يكون على الذات أو على أحد رفاق القعدة في حدود ضيقة، أما أغلبه فيتعلق بأشخاص من خارج القعدة. ويبقى أن القاسم المشترك الأعظم ما بين قعدات الكبار وقعدات الصغار هو التجهم المفاجئ الذي يغلب على الوجوه بغتة، لتختفي الضحكة، ويسكت الكلام، وترتسم أمارات الحزن الدفين على الوجه، وتغيب الضحكة.. تُرى لماذا؟
يخفون مرضه
اهتم حمدي رزق في “المصري اليوم” بمرض الإمام الأكبر: فضيلته بخير حال، ويجري مراجعة طبية في ألمانيا، مثل هذا البيان المقتضب عن المشيخة الأزهرية لطمأنة المحبين على الحالة الصحية لفضيلة شيخ الأزهر الدكتور الطيب أحمد الطيب، ليس كافيا، ويستوجب بيانا أكثر تفصيلا، وتحديدا، لا يُترك الباب مفتوحا للاجتهادات وللتخمينات، ما يؤذي مشاعر المحبين ويقلقهم ويقضّ مضاجعهم. مرض الإمام الأكبر ليس عاديا وليس سراً، ما يستجلب الدعوات الطيبات، ويستوجب الإفصاح ببيان طبي شافٍ، هكذا تورد الإبل. معلوم أن الإمام الأكبر (شفاه الله وعافاه) يعاني وجعا مزمنا في عموده الفقري، وكان أجرى جراحة في ظهره قبل عامين (2019)، ويراجع طبيبه هاتفيا روتينيا، على البعد، لكن هذه المرة وخلال جولة أوروبية سنحت فرصة لمناظرة طبية في ألمانيا. لافت وجع العمود الفقرى بات متكررا، ومصادفة أن البابا تواضروس الثاني بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، يعاني من متاعب عموده الفقري أيضا (من نومة القلاية في الدير أيام الرهبنة) وأجرى جراحة عام (2017) في مستشفيات «شون كلينك» الألمانية في فرانكفورت، على يد بروفيسور العظام الألماني الشهير مايكل ماير ويراجع أطباءه روتينيا على البعد. وجع العمود الفقري يعانيه القادة الدينيون والعاديون.. بلدنا تكتم أخبار المرض، وكأنه عيب نتدارى منه، حتى بين العاديين لا يصرحون، الكتمان المرضي يحتاج إلى دراسة اجتماعية حول السلوك الجمعي والميل إلى كتمان أخبار المرض، وكأنه ما يتخفى منه. مستوجب تغيير هذا السلوك في حالة مرض كبار القوم، الشفافية تلجم التكهنات، وتبدد الشائعات، وتشخص الحالة الصحية على قدرها.. ومن حق العامة في الطرقات الاطمئنان على صحة القادة، سياسيين ودينيين وغيرهم كثير من رموز المجتمع من المشاهير. لا نملك رفاهية الاجتهاد في أخبار حساسة كهذه تهم الملايين.
زوج يا محسنين
ضرب الكساد سوق الزفاف ما دفع سامي صبري في “الوفد” إلى أن يفند أحدث الاجتهادات للتعامل مع الأزمة: مع زيادة حالات الطلاق في مصر ووصولها إلى 2 مليون و600 ألف حالة، بواقع حالتين كل دقيقة، ومع تدني الأحوال المعيشية والاقتصادية لضحايا الطلاق (المرأة وأولادها وبناتها) وتهرب الزوج من النفقة الشرعية ومن مسؤوليات ما بعد الانفصال، ومع عجز كثير من الأرامل عن مواصلة الحياة، دون رجل قادر على تحمل أعباء الزوجة الثانية، ومتطلباتها الشرعية كاملة، أصبح المجتمع المصري مثل كثير من المجتمعات العربية، حقل تجارب لأنواع مختلفة من الزيجات، تعتبرها كل مطلقة أو أرملة طوق نجاة، وبابا يخرجها من حالة الضنك والعجز والاحتياج النفسي والجنسي، والحياة الحرام إلى الحلال والاستقرار. وما بين زواج المسيار (أهل السنة) والمتعة (أهل الشيعة) ثم العرفي وأخيرا (زواج الوقت المستقطع) وما يطلق عليه، حسب الموضة «البارت تايم.. وسلفينى زوجك ليلة في الأسبوع»، ضاعت الرأس، واتلخبطت الأمور والمفاهيم بين الشرعي وغير الشرعي، والجائز وغير الجائز، والإباحة والبطلان، نتيجة الاختلاف بين المذاهب الإسلامية، وعدم وجود رأي واضح، قاطع ومحدد بين علماء ورجال الدين أنفسهم، فريق مؤيد وآخر معارض، وثالث يوافق بشروط، وإذا تحدث معظمهم، تجده يمسك العصا من المنتصف، لا هو يجيز ولا هو يحرم، ولم تعد الفتاة المصرية أو السيدة العربية بشكل عام، تدري ماذا تفعل، لو فاتها قطار العمر وأصبحت عانسا؟ أو تحولت من أرملة إلى متسولة تلف «كعب داير» على أعتاب الجمعيات، أو تنتظر ما تجود به أيادى بعض الأقارب والمحسنين. من جانبها دار الإفتاء حسمت الأمور، وأصدرت بيانا ببطلان زواج البارت تايم، لما فيه من تأقيت بمدة أو فترة زمنية محددة للمبيت يوما أو ليلة أو ساعات، وبما يتعارض مع الهدف الأساسي من الزواج وهو الديمومة والاستقرار والحفاظ على تمسك الأسرة، وبالتأكيد لن يختلف اثنان مع الهدف الشرعي من الزواج، وأركانه وشروطه، ولكن بحكم الواقع المعاش، لم يعد المجتمع بهذه المثالية الدينية، وباتت هناك ظروف اقتصادية واجتماعية تتعرض لها المرأة أو الفتاة، تختلف تماما عما كانت تعيشه المرأة في العصور الاسلامية الأولى أو حتى قبل قرن من الزمان، وهو ما استند إليه صاحب مبادرة زواج البارت تايم أو سلفينى زوجك يوما.
وفروا البديل
أكد أحمد التايب في “اليوم السابع” أنه في ظل سعى الدولة إلى تطبيق استراتيجية وطنية لبناء الدولة والإنسان معا، بعدما تعرضت لحالة من الفوضى والعشوائية، في كثير من المجالات خلال العقود الماضية، وحديثنا هنا عن قضية التعديات بأشكالها المتعددة، فكلنا رأينا الزحف الهائل من البناء العشوائي في كل رقعة، سواء كانت قرية أو نجعا، أو حتى مدينة في مشهد مأساوي، ورأينا كيف أصبح مجرى النيل الخالد بعد تعدي أعدائه على حرمته؟ ورأينا كيف تم اغتصاب أراضي أملاك الدولة في غفلة من الزمن، لنتساءل جميعا، متى تعود هيبة الدولة من جديد؟ وهل أصبح بالإمكان أن نواجه هذا الخطر الداهم الذي يشكل كارثة مستقبلية ويهدد مسارات الإصلاح والتنمية المستدامة.. لتأتي البشرى من قبل السماء، عندما تعلن الدولة خلال السنوات الماضية بكل قوة وحسم مواجهة هذا الخطر، بكل ما لديها من قوة وحسم، سواء تنفيذيا من خلال شن حملات مستمرة ومتواصلة لإزالة أي تعديات، أو رقابيا بمواجهة الفاسدين، والجميل أنها لم تكتف بهذا، بينما واجهت هذه الظاهرة الخطيرة تشريعيا من خلال قانون التصالح في مخالفات البناء، مراعاة لمصلحة الوطن والمواطن معا، والإسراع في إصدار قانون البناء الموحد، واشتراطات البناء الحديثة. لكن العجيب، أنه رغم هذه التحركات وهذا السعي، ما زال هناك من يصمم على عرقلة مسيرة التنمية، معتقدا أن الدولة منشغلة في تحديات أخرى، لكن ظنه ليس في محله، لأنه ليس من المعقول أن تواصل الدولة العمل ليل نهار من أجل بناء مدن جديدة، وإحداث عمليات إصلاح وتعمير، ثم يأتي هذا ويشوه ما تفعله الدولة. لذا فتصريحات القيادة السياسية الأخيرة بشأن مواجهة هذا الخطر بكل قوة وحسم، خير رد على أعداء الأرض والنيل، ورسالة لكل معتد على حرمات الأرض والنهر الخالد.
نريد العدالة
هذه الأيام حلت ذكرى عبدالناصر، وما زالت طموحات الناس تتواصل انطلاقا من حالة الحراك نحو عدالة جديدة في التنمية، وتأثرا، كما لاحظ محمود الحضري في “البوابة” بالمقولات المأثورة للزعيم عن العدالة الاجتماعية والتي قال فيها: «لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون الغنَى إرثا والفقر إرثا والنفوذ إرثا والذل إرثا، ولكن نريد العدالة الاجتماعية، نريد الكفاية والعدل، ولا سبيل لنا لهذا إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات، ولكل فرد حسب عمله، لكل واحد يعمل، ولكل واحد الفرصة ولكل واحد العمل، ثم لكل واحد ناتج عمله». ولا يمكن أن ننسى ما قاله نجيب محفوظ عن عبدالناصر والعدالة والفقراء إن عبدالناصر أكثر من أنصف الفقراء.. وما لم يستطع تحقيقه أعطاه لهم أملا، لذلك فالناس لا تنساه أبدا، لأن الأمل لا يموت وربما كان هذا هو السبب الذي يجعل اسم عبد الناصر وصوره ترتفع في كل مناسبات شعبية، بل في المظاهرات إن وجدت. الاختلاف على تقييم عبدالناصر وتجربته حق طبيعي، دون إساءة ولكن رغم كل ذلك، فإن تجربة عبد الناصر على أرض الواقع كانت تتقدم خطوات بالمجتمع بخطوات للأمام، في اتجاه مزيد من العدالة وإذابة الفوارق الاجتماعية والانصهار في قضايا الناس، والاقتراب منهم، ومخاطبتهم بهمومهم والوصول إليهم في مصانعهم وحقولهم، وشوارعهم. ولهذا سيبقى عبدالناصر، ويوجد في حياة الناس، وفى أجيال، حتى إن لم يعاصروه.. وسلام على روحك يا ناصر.
خطأ العجوز
تولى جوزيف بايدين رئاسة الجمهورية الأمريكية في وقت عصيب. تولى المنصب الأهم في العالم بعد مجموعة رؤساء تناوبوا على المنصب، ارتكبوا جميعا بدون استثناء، كما قال جميل مطر في “الشروق”: أخطاء اجتمعت عواقبها في عهد آخرهم جوزيف بايدن. هذا على الأقل ما يلمح به أحد المتعاطفين معه. تسمعه فلا تصدق أن شخصا له خبرة طويلة بالسياسة في أمريكا يقول ما يقوله ويصدر مثل هذه الأحكام. عندما تسأل كيف تسنى للرئيس بايدن أن يتخذ قرار تسليح أستراليا بغواصات تدار بالدفع النووي وهو السياسي العريق في مدرسة الإيمان بعقيدة مقاومة انتشار الأسلحة النووية، الأدهى أنه اتخذ القرار وهو على علم كامل بعقد تجاري يلزم فرنسا الحليف المهم في الحلف الغربي بتصنيع سرب غواصات لحساب أستراليا، عندما تسأل هذا السؤال يأتيك فيض من إجابات غير مقنعة، وبينها الاتهام بتدخل جديد من جانب المجمع الصناعي العسكري فرض على القيادة السياسية اتخاذ هذا القرار الخطير الذي أضاف صدعا في علاقة داخل حلف الأطلسي تزداد توترا. الإقليم كله منفعل بالفوضى والإدارة السيئة. كادت الثقة في الولايات المتحدة تنعدم، حتى داخل أستراليا نفسها التي لم تكن شفيت بعد من صدمة عقوبات الصين الاقتصادية. فرضت عليها هذه العقوبات كرد فعل بالفعل عنيف ماديا ومعنويا للدعوة التي وجهتها أستراليا للصين، للكشف عن مصادر وظروف انتشار فيروس كورونا في ووهان. في رأيى أخطأت أستراليا بتوجيه هذه الدعوة وأخطأت الصين بفرض عقوبات صارمة على الاقتصاد الأسترالي لا تتناسب وتفاهة الطلب الأسترالي.
مستقبل خطر
تراكمت الأخطاء من جميع الجهات، كما أفصح جميل مطر، وفوقها جميعا موافقة أمريكا على تزويد أستراليا بالغواصات نووية الدفع، هنا أظن أن غطرسة النخبة الحاكمة الأسترالية وابتعاد سلوكياتها عن التواضع، بالإضافة إلى مسحة من «البلطجة» اشتركت فيها الإدارات الحاكمة في واشنطن وكانبيرا ولندن، أضف أيضا اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وحال الترقب المتوتر لشكل أوروبا ومزاجها بعد رحيل المستشارة ميركل من مسارح السياسة في ألمانيا وأوروبا، بل الغرب عامة، جميعها عوامل ساهمت في تضخيم آثار صفقة الغواصات وأصدائها في الصين ودول إقليم جنوب شرق آسيا وفي عواصم الغرب وموسكو وبعض دول الشرق الأوسط مثل إيران وتركيا وفى إسرائيل بطبيعة الحال. أردد مع آسيويين أعرفهم خشيتهم من مستقبل يشهد نفوذا أقوى وهيمنة لأستراليا في إقليمي جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا. المعروف أن منظمة الآسيان تمر في مرحلة ضعف، وهي ليست المرحلة الاستثنائية في تاريخها. إذ لازمها الضعف والتفكك منذ نشأتها بسبب التدخل المكثف من دول كبرى من خارج الإقليم. نحن هنا في الشرق الأوسط نتفهم قلق الآسيويين في جنوب شرق آسيا، لأن قلقا مماثلا بل أشد يسود في عديد دوائر التفكير السياسى الحر في العالم العربي. أهملنا حماية وتطوير جامعة الدول العربية، تركنا منظمتنا الإقليمية تتدهور، ومعها مشاريع أمننا القومي حتى باتت تسعى للهيمنة علينا وعلى مصائرنا دول إقليمية غير عربية. ارتكب بعض حكامنا أخطاء جسيمة، حين سمحوا لدول في الغرب التدخل في شؤوننا، وحين عجزنا عن بناء أمن قومي خاص بنا وحين انفرطنا. هناك أيضا في آسيا أمنهم مهدد ودواعي الانفراط غير قليلة والتدخل الخارجي جاثم فعلا.
لزوم الفشخرة
أهلا جناب الباشا . شرفت ونَوَّرت يابيه. اتفضل يا أكسلانس. عبارات لم تعد تثير الاستغراب في مجتمعنا. ويبدو والكلام لجودة عبد الخالق في “الأهالي”أن مصر أضافت إلى شهرتها كبلد الألف مئذنة سمعتها كبلد الألف لقب، فهناك الدكتور والمهندس والأستاذ والمحاسب والكيميائي والجيولوجي واللواء والمستشار والوزير والمحافظ. ثم الألقاب المركبة: الدكتور المهندس، اللواء الدكتور، اللواء المحافظ الوزير، إلخ. وهناك الحاج والمعلم والريس والزعيم والبرنس. والناظر إلى سطح الأشياء قد يتصور أن مجتمعنا يأخذ بتقسيم دقيق للعمل، وتوصيف صارم للوظائف والمهن. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. فتلك الألقاب هي مجرد رموز للمكانة وعلامات للوجاهة الاجتماعية. يعنى “ألقاب فشخرة في غير موضعها”، مع الاعتذار للمتنبي. أيضا من الظواهر التي أصبحت شائعة عندنا المبالغة الواضحة في المدح والقدح. نلمس ذلك بوضوح عندما نرتاد الفضاء العام، خصوصا الفضاء الافتراضي. صفحات الدردشة على الواتساب نموذج باهر للإفراط في المدح. فضاء الفيسبوك نموذج مدهش للاشتطاط في القدح، إلى حد الشتيمة بأقبح الألفاظ في حالات كثيرة. بالنسبة للألقاب، معلوم أن ثورة 23 يوليو/تموز حاولت تطهير المجتمع من الطبقية فبادرت بإلغاء الألقاب. كان الحلم أن يتحول المجتمع المصري إلى مواطنين أنداد، يحمل كل منهم لقب سيد (أو سيدة)، وليس بينهم مسود. لكن يبدو أن عقارب الساعة دارت سبعين عاما إلى الوراء، وعادت الألقاب. لكنها في زماننا أصبحت تطلق بلا ضوابط، وأحيانا بشكل عبثي. مثلا، لو ذهب شخص لشراء حذاء، فلا يغضب من قول البائع “حضرتك الجزمة دي وارد إيطاليا”. البائع لم يقصد إهانة الزبون بالطبع بل أراد توقيره. لكن هي طريقة أصبحت معتادة للخطاب. وقس على ذلك الكثير والكثير.
أكثر من سبب
يتساءل جودة عبد الخالق: لماذا هذه الظاهرة؟ الأرجح أن هناك أكثر من سبب. أولا: أن المجتمع يمر بمرحلة تشهد تغيرات مادية سريعة مرتبطة بالمستحدثات التكنولوجية ومنها، في مجال المعلومات والاتصالات. وهذا يؤدي إلى خلخلة منظومة القيم والسلوك. ثانيا: الإعلام الرسمي يُكرِّس ظاهرة الألقاب حينما يكرر تعبيرات مثل السيد الوزير المحافظ، أو يخلع لقب دكتور على الوزراء والمسؤولين ممن لا يحملون الدرجة العلمية المقصودة. وكلنا نذكر خلع لقب دكتور ولواء على الموسيقار محمد عبدالوهاب، بل نلاحظ أيضا استخدام تعبير “فلان بيه” في البرامج التي تستضيف شخصيات من مواقع مختلفة. والناس هذه الأيام تسير على سُنّة الإعلام. كما أن الأفلام السينمائية والدراما التلفزيونية تكرس هذه الظاهرة في تناولها لموضوعات معينة، مثل التعامل مع الشرطة. ثالثا: حاجة الأفراد كبشر إلى التقدير والاعتبار، مع غياب الآليات المجتمعية اللازمة لإشباع هذه الحاجة الإنسانية. فطبقا لنظرية الدافع الإنساني لعالم النفس الأمريكي إبراهام ماسلو، هناك تراتبية تنتظم حاجات الفرد في خمسة مستويات هرمية، من الأدنى إلى الأعلى. فالحاجات الفيسيولوجية، من مأكل ومشرب، إلخ، تشكل قاعدة الهرم. وفوقها تأتي الحاجة إلى الأمان. ثم الحاجة إلى الحب والانتماء، ثم الحاجة إلى التقدير، ثم تأتى الحاجة إلى تحقيق الذات في قمة هرم الحاجات الإنسانية.
وجه آخر
يرى عماد الدين حسين في “الشروق” أن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنها لعبت دورا مهما جدا في نشر ثقافة التنوع والحريات، خصوصا للفئات المهمشة، إلا أنها لعبت أيضا دورا في غاية السلبية في نشر ثقافة الكراهية والتعصب والعنف والتطرف.. خلال الجلسة الأولى من مؤتمر «إعلاميون ضد الكراهية»، الذي نظمه «مجلس حكماء المسلمين»، في العاصمة الأردنية عمان: في هذه الوسائل الشائعات والأخبار الناقصة والمزيفة والمزورة والمضروبة، هي الأساس، يضاف لذلك الكتائب الإلكترونية، التي صارت منتشرة بكثرة، ويستخدمها نجوم الفن والرياضة وبقية المجالات لضرب الآخرين ونشر ثقافة الكراهية، ناهيك من الكتائب السياسية التي سبقت الجميع في هذا المضمار، ولا يخلو حزب أو تنظيم من كتيبة إلكترونية مهمتها الرئيسية، ليس الترويج لفكره ومبادئه، ولكن لنشر الحقد والتعصب والكراهية والبغضاء. ولا يقتصر الأمر على الأحزاب والأفراد، بل لدينا دول في المنطقة والإقليم ترعى وتمول وتستضيف تنظيمات إرهابية تنشر الكراهية.. إذا كانت للحروب التقليدية قواعد اشتباك محددة وأخلاقية، فإن السوشيال ميديا، لا تعرف كل ذلك، بل تخوض في الأعراض والقيم والخصوصيات الفردية والأسرية، وصارت هي الساحة الفسيحة لامتدادات المعارك الحقيقية على الأرض. خلال المناقشات في المؤتمر أعرب الكاتب عن أمنيته في أن يبادر مجلس حكماء المسلمين الذي يترأسه شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، وأمينه العام الدكتور فيصل سلطان الرميثي إلى تنظيم دورات تدريبية للإعلاميين العرب أونلاين، تعرفهم ماذا يعني خطاب الكراهية ومفرداته، وكيف يوضح للجماهير العربية عدم الوقوع في شباكه، وقلت أيضا إنه من الظلم أن نتهم المواطنين العاديين بنشر خطاب الكراهية، أو حتى أجهزة الإعلام فقط، لكن علينا أن ننتقد أيضا الحكومات والأنظمة التي ترعى مثل هذا النوع من الخطابات، ولا تعالج الثقافة المجتمعية العامة التي تكرس لخطاب الكراهية. قلت أكثر من مرة إن شيوع ثقافة التنوع والتعددية والديمقراطية وقبول الآخر سيلعب دورا مهما في القضاء على جانب كبير من خطاب الكراهية في المنطقة العربية.
مال سهل
السعي لجني المال دون التدقيق في مصدره بات سمة غالبة، وهو ما اهتم به محمود عبد الراضي في “اليوم السابع”: يحاول بعض الطامحين في تكوين ثروات مالية طائلة، البحث عن المال بشتى الصور، حتى لو كان على حساب المواطنين والإضرار بصحتهم وحياتهم، فكل شيء يهون من أجل “المال” في اعتقادهم. أحلام الثروة السريعة، تدفع البعض لإنشاء مصانع عشوائية على أطراف المدن، وفي بعض الأماكن النائية بعيدا عن الأعين، حيث تدور ماكينات المصانع لإنتاج خامات ومنتجات رديئة الجودة مجهولة المصدر، يتم وضع علامات تجارية كبرى عليها لاستقطاب الزبائن، وسرعان ما يتم ترويج هذه البضاعة، وتحقيق مكاسب مادية كبيرة. هذه المنتجات تتنوع ما بين “ملابس وأكل ومشروبات”، وغيرها من المنتجات، التي تسكن أجساد المواطنين وتنتهي بهم في المستشفيات، لأنهم وقعوا فريسة لنصابين جشعين، من أصحاب “مصانع بير السلم”. أحلام الطامحين في تكوين ثروات مادية ضخمة بالغش التجاري و”الفهلوة” تصطدم بيقظة رجال الشرطة، حيث توجه وزارة الداخلية حملات أمنية متكررة تستهدف هذه المصانع غير المرخصة، وتضبط القائمين عليها وتحرز المنتجات قبل بيعها للمواطنين والإضرار بصحتهم. أطنان من المنتجات الفاسدة ومنتهية الصلاحية وغير الصالحة للاستهلاك تضبطها الشرطة بصفة يومية، قبل وصولها لـ”بطون المواطنين” لإنقاذ حياتهم من هذا الخطر الذي يحدق بهم. ورغم الجهود الأمنية الكبيرة لمواجهة “مصانع بير السلم” و”المنتجات المغشوشة” إلا أنه يتبقى دور مهم على المواطنين أنفسهم، بضرورة توخي الحذر أثناء شراء المنتجات، والتأكد من جودتها، وعدم الاستعجال في الحصول على منتجات مجهولة المصدر حفاظا على حياتهم وصحتهم.
حنين إليها
حالة اشتياق انتابت كثيرين من بينهم فاروق جويدة في “الأهرام”: لم يكن أحد منا يتصور ونحن نتصافح في لحظة وداع حزينة أننا بعد سنوات سوف نتذكر اللحظة نفسها ونستعيدها.. ونتمنى لو عاد بنا الزمان وعشناها رغم مرارتها مرة أخرى.. شيء غريب أن تفرط في شيء وتمضى بك سنوات العمر وتعود تذكره كأنه ما غاب عنك لحظة.. حين تشتد عليك العواصف وحين تجد نفسك وسط الأمواج وحيدا، تطل عليك من بعيد بعض الوجوه، قد تكون قليلة وربما وحيدة، ولكنها تلغي كل الأشياء حولك ولا ترى غيرها.. أمام عاصفة عنيدة أطل وجهها بين الأمواج كانت سنوات العمر قد بدت على ملامحها، ولكن البريق لم يخب والإحساس لم يتوار.. كانت تعرف أن أيامي تغيرت وإنني لم أعد ذلك الفارس القديم الذي انبهر بها يوما.. كانت تعلم أن الأيام لم تعد كما كانت، وأن الناس ليسوا كما عرفنا.. سمعت خطواتها وهي تمضي بعيدا، لم أكن أتصور أن أشياء كثيرة منها قد بقيت وعادت تدق أبواب قلبي من جديد.. البعض يتصور أن الحب يموت، وأن الملامح تخبو والمشاعر تغيب ولكن ساعات الألم تعيد كل شيء.. عادت صورتها تصافحني وأنا أمضي وحيدا وهي تغيب في الأفق كشمس غاربة.. كنت نسيت ذلك كله في رحلة الأيام، ولكنها عادت مرة أخرى، وكأن وداعنا كان بالأمس القريب.. في الحياة أشياء كثيرة نتصور أنها غابت ثم تعود وتفرض نفسها على أيامنا فنعود عشاقا، كما كنا وتتحدى الزمن والأشياء، لقد عادت وكأنها كانت تودعني بالأمس.. إنها الحياة نتعلم منها كل يوم وقد نتصور أن ما رحل لن يعود، وأن ما انتهى ليس له بداية أخرى ثم نكتشف أننا نسبح، دون أن ندري في بحار الماضي وفي كل يوم تلقينا موجة شاردة على شاطئ جديد.. وأن البحر بلا نهاية والشواطئ بلا حدود، وأن الوداع ليس آخر فصل في الرواية، وقد تكون البداية من جديد.. كنت لا أؤمن بتناسخ الأرواح وعدت أصدق أن في الحياة أسرارا، وأن وداع الأجساد ليس آخر المطاف..
حسام عبد البصير
عن جريد القدس العربي بتاريخ الجمعة 1 اكتوبر